الخميس، 17 سبتمبر 2009

الراعي



في الماضي حتى مشارف الستينات تقريبآ كان الراعي يلازم الدواب أعوام مديدة منذ الصغر مرافق جيد للماعز والبقر في الجبل الأخضر والضأن أو الإبل في البر الجنوبي للجبل ومن خلال هذا الالتزام للدواب حتما يكتسب الراعي خبره عظيمة مؤكدة في الدابة إذا مرضت وأعراض المرض و العناية البيطرية وعلامات الولادة والحمل والنبات الجيد والردئ وطبيعة الأرض والموسم والدابة وما يتمخض عنها من سلوك للدلالة علي اقتراب مطر أو قلق وجفول الدابة ويعرف الراعي من خلال الطبيعة تقلبات النسيم ورياح القبلي والراعي يعرف كيف يتعامل بكل رفق مع دوابه ويشاطرها الألم والجوع وأضرار الخلاء ومنافعة وتأثير الطقس ويعرف كيف يتصدى للمخاطر ومعالجة الخطورة وإذا انعزلت دابة أو تراجعت أو توارت عرف الراعي السبب ليتخذ الهيئة المناسبة للبحث عن الدابة المفقودة والراعي يتحمل المشاق قليل النوم نشط صبور اعتاد وعورة الأرض وسهولها واعتاد الأعباء المرهقة مع رعيته والراعي الجيد لا تجفل منه الدواب في المرعي أو مكان أخر لمعرفته بسلوك الدواب لأن الماعز خصوصا يتطلب مراس وحيله وخفة قدم ولياقة وأفكار وحلول لبعض الأزمات الرعوية فمثلا شاه تلد والغنم ترعى منسحبة متوارية فيلحق الراعي بغنمة خاصة في المراعي الو عره ويكفل لها الأمان للشاه الوليدة بكوفية معلقة أو قميص بقربها لأبعاد أي حيوان مفترس قد يعقبه حتى تعود الغنم من جديد مرورا بالشاه والصغير قد نشط وقد يحرس الشاه أحدى كلاب الغنم وهو في الحقيقة يتربص لأكل مخلفات الولادة كالمشيمة ولعق الدماء والعنصر الأهم التي يجب إن تتوافر في شخص الراعي الذاكرة النقية لإحصاء الغنم في أضيق وقت وفي أصعب الظروف التي قد تطرأ علي الغنم وان يكون رفيقا حنونآ بالدواب وأمينا يعتمد علي نفسه قويآ ظريفآ متسلحآ بشجاعة وعصا وكلاب حريصة ودراية بسلوكيات الحيوان المفترس لاختيار أسلوب المراوغة والتمويه لحماية الغنم أو دابة ضعيفة فمثلا الراعي الذي يتقن هذه المهنة يعرف نفسيه الذئب وغرائزه المكمونه وبأنه حذر وانه لا يستأنس بالقماش المعلق قرب الشاه التي تلد وحيده في الخلاء ويعرف الحيوان المفترس المهاجم في الليل دون رؤيته من خلال الكلب بنباحه أو عواءه والغنم والراعي والكلب والمراعي والمنبوت وحده متكاملة فالكلب إذا حدث له شئ أو الغنم أو المراعي أو المنبوت أو راعي يفتقر للخبرة أختل التوازن وساور القلق باقي الوحدة بسبب الجزء المصاب فالكلب إذا مات سنحت الفرصة للذئب إن يفترس واللص إن يسرق والراعي الملازم للغنم إذا حصل له مكروه وجيئي براعي بديل فاقد للخبرة فسوف يسئ معاملة الغنم ويرعى في مراعي ملوثة أو خطره ومنابت سامه كالدرياس مثلا والغنم إذا أصيبت بأمراض أو افتراس فهي خسارة والراعي الخبير لا تؤثر فيه الشمس ولا المطر فهو يستظل تحت الشجر من اللفحات الحارقة وفيه يحتمي من المطر ومن الرياح القوية يتحصن في الأرض المسطحة بين التصدعات والشقوق وفي الأرض الجبلية يتحصن بين المرتفعات أو في الكهوف والراعي في الأرض المنبسطة يبذل جهدآ أقل من الجهد المبذول من الراعي في الأرض الجبلية والأرض المنبسطة مريحة لأن الراعي يراقب مواشيه في أرض لا حواجز فيها وهي ترتع وتنسحب حتى مد البصر علي مشارف الأفق علي خط السراب وإدراك المواشي بين موجات السراب تكن ضئيلة فيلحق الراعي مواشيه بقطع هذه المسافة لتوجيه وجوه المواشي لجهة الخلف أو أي جهة لتعود وهي ترتع علي مهل وهذا ديدانه أما الأراضي الجبلية تتطلب جهدا وان يلتزم الراعي متابعة المواشي ولا يتركها ابدآ لأن لو تركها لحظة ورائها قد تتواري عنه في وادي من الوديان أو وراء جبل من الجبال أو غابة كثيفة وتتملص منه ولا يعرف أي جهة سلكت ويساوره القلق علي غنمه من أي افتراس محتمل والراعي يمشي ويسرح ويرعى كثير آو يبيت كالا أي كلل وهو راضي عن أعماله المنهكة بخوالص النية .

من كتابي / اغنام وابقار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق