السبت، 5 سبتمبر 2009

اذواق ومياه





الذوق في اصطلاح اللغويين والمثقفين هو التمييز بين القبح والجمال والقذارة والنظافة والألم والصحة ولولا القبح ما عرفنا الجمال ولولا البياض ما عرفنا السواد ولولا الكد ما عرفنا الراحة والحقيقة إن النظافة استعصت على كثير من البشر لكنها لم تستعصي على قطة عقدت أي في أعرافنا الدارجة أخرجت فضلاتها أو ترمي رجيعها ثم تدور نصف دورة لذر التراب بمخابشها الخلفية فوق قاذوراتها وتقريباً غالبية الناس خصوصاً المجتمع الليبي عايشوا هذه الأحداث البيئية مع صنف القطط وعنها حكي الدكتور مصطفى محمود وليست القطط فقط حتى الكلاب وحيوانات كثيرة تستحي أن تترك فضلاتها حاسرة .
وهل من المفترض أن نجعل أو نطالب بمدارس ومقرات لتعليم الذوق ووضع مناهج لتلقينها ومعلمين أوفياء درسوا الذوق والترفع عن كل القاذورات أو موهوبين بهذا الجانب الراقي والإنساني ولا نريد التفاسير السفسطائية للماء بعد الجهد بالماء والحقيقة إننا نعاني أزمة ذوقية قبل أن تكون أخلاقية المضرة ببيئتنا وسمعة بلادنا والذوق هي البنية وأسس الأخلاق وكل الأنظمة الحياتية التي يسعد بها البشر والذوق هو القطب للمعاني الإيمانية كما قال احد الحكماء ( العقيدة هي غالباً مادة الذوق ) وأي شخص فيه خصائص ذوقية فهو نقي الفطرة سليم القلب وعقله خالي من الشوائب لان الذوق يجعلك قانعاً محباً للسلام والمخلصين الطيبين والنقاء والخير للناس وتحس بألآم الآخرين تتأثر وتؤثر في المحيط وتتألم مع المتألمين وتنضج مع الجماليات واللطائف وتحب الوطن بالعمل وليس بالسمعة والرياء تتقزز من الأذى وتثابر بصمت ولأننا نجانب الذوق لا تتأذى نفوسنا بالمرميات الملوثة التي اكتضت بها قوارع الطرق ولا يرميها في أماكن للقمامة ليخف الشغل على العمال المتخصصين في تنقية بيئتنا لا ليضيف تراكمات أوساخهم الدالة على إفلاسهم من الذوق العام والخاص والناس الذين لا يأبهون بنظافة عوام الامكنه حتماً إن بيوتهم وأفنيتهم مزبوله وكان على المسئولين ألمطالبه برفع رواتب عمال البيئة لأن هؤلاء هم ارفع وأفضل العناصر في البلاد لبذل الكثير من الشغل الغير الصحي لا لنسخر منهم في الساحات والشوارع واقلها القليل وفرضاً علينا إلقاء التحية لهؤلاء و نقول لهم شكراً ولو وضعنا جل أبصارنا وبصيرتنا في أنفسنا أن كانت لنا نفوس حية نستحي أن نوظف هذا العامل المحترم بالتقاط الزبالة من أمام بيوتنا والزبالة الخاصة بك أيها المواطن الكريم هي أسرار بيتك وعوراتك وقذارتك وعرضك كان حقاً عليك سيدي المواطن أن تنتشل قمامتك بنفسك ورميها في السيارة المارة لرفع القمامة .
الماء
والحديث عن الماء نسمع الكثير عن شليله في أفنية المنازل مياه تتدفق مهدورة تتسرب مع قنوات التصاريف الخارجية ومنسابة في الشوارع سوائل صافية يشبه صفاءه عين ذئب وأهله يتفرجون مستمعون أو رجل يحلق وجهه أمام ألمرآه بما يقارب الساعة وحنفية مفتوحة تتسكلب بإسراف وبلا حرج وبلا الم وبحر من المياه الغزيرة تسكبها النسوة فوق البلاط لكشطها بالاسفنجات والمكانس ويقول الروائي إبراهيم الكوني في كتاب الناموس ( من يرى ماءً يتدفق ولا يوقفه كمن يرى جريحاً ينزف ولا يهرع لنجدته ) وكان السقاءين يعمدون إلي التيوس الملتحية الرافعة رؤوسها من حوض الماء لعصر لحاءها ألمبلله لاستقطارها في نفس الحوض للمبالغة في اقتصاد الماء وقالت العرب عن الماء أهون موجود واعز مفقود . إننا مسئولين عن هذا الكنز الغالي الذي تغيرت نقاوته وحلاوته وهو في قلب السحاب وفي المحيطات وباطن الأرض وتسمم هذا الشيء الذي ليس له لون ولا طعم وهو نواة كل الأحياء وكل شيء وهو المكون الأساسي لبدن الإنسان وإنهم يشتروا ويستوردوا قناني المياه وينابيعنا وحنفياتنا تصب في الخلاء فقط ونقص الماء يجبر الإنسان التخلي عن موطنه لاهثاً وراء الماء وفي مأثوراتنا الشعبية ( الماء وانزل ) .
رأيت برنامج في قناة فضائية بعنوان "أكثر من قطرة في المحيط " عن شح المياه في أماكن كثيرة من قرى العالم ومعاناة الناس ونسوة متضررات أنهكهن وأجهضهن نقل الماء من مصادر بعيده في جرار على رؤوسهن وكانت أحداهن تقول معبرة ومتمنية في هذه الحياة هي ومثيلاتها في القرية أن يكون مصدر الماء قريب من سكناهن ونقي وليس عكراً .
العالم اليوم تضعضعت أحواله بسبب الجفاف وانقرضت حيوانات بحرية وبرية لندرة الماء وتلوثه والماء هو سبب الحضارات مثل حضارة الرافدين على نهري " دجلة والفرات " و حضارة مصر التي قال عنها هيرودوت " مصر هبة النيل " فأي انجاز تاريخي حضاري عملاق لم ينجز ألا على انهار .
الماء نعمة حقيقية لا يعرفها ألا من كابد ودفع الكثير من ماله أو صرف راتبه المتواضع لتوفير الماء أو عاش الترحال وراءها يبيع منزله ويشتري منزل أخر في أحياء يتوفر فيه الماء وذاق حلاوة الشراب بعد العطش .
إن منطقة الجبل الأخضر تتعرض لكارثة جفاف ولا ندري والمطرات القليلة الذرذارة على مدى سنوات والقول المأثور " الجبل لا يطرد أهلة" كانت تقال أيام المخزون المائي من الغيث النافع التي تفيض آباره وبحيراته وغدرانه وهرج الوديان بالسيول ويعاني الأهالي مشقة وعورة الشتاء المطير والغابة تتهيج بالاخضرار والأزاهير ألوان وخير وفير من زروع القمح والشعير تملأ غيطان وأنعام سمان وألبان والناس أحباب وجيران ومتحاببين أطفال ونسوان وأحياء الخلوات زاهية أصوات عصافير وطقطقة السلاحف وحمام وبوم وغربان واليوم تتيبس الغابة والزهور تموت في أرحامها ومنبوتات في طريقها إلي الانقراض وأمراض لم نألفها أصابت الدواب وشح المياه في مناطق كثيرة ومدن ولو بذل المجتمع الرحمات قليلاً بين بني جلدتهم والرفق بالماء وبدوابهم ومنبوتاتهم لقبل الخالق البارئ ادعيتهم وكفوفهم المفتوحة في صلوات الاستسقاء ويحضرني هنا قول الشاعر الشعبي عن أقوام صلوا صلاة استسقاء فلم يستجاب لهم بمطر وكان البديل رياح القبلي .




· مبروك صلاة استسقاكم .. قبلي جاكم .. ربي عارف سود انياكم .
نشرت في موقع السلفيوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق