الخميس، 20 أغسطس 2009

قاهر الكهوف المعلقة

( بدرالدين ) قاهر الكهوف المعلقة ايام الشباب عام 1966م )
اضغط على الصورة




الكهف المعلق يقيد البصر تتخزن في أذهانك وجهات نظر معقده وليس في استطاعتك مقاومة لفضول وسحر غير قابل للفك وغير قابل للتحليل وانت تنظر وتشير وتفكر واخذ ورد في كيفية الوصول لهذه الاكنان الشاهقة المخيفة المرعبة وواقفاً بسكون مطلق أمام كهف لا تطاله رمية قوية لحجر في كبد اليد والكهف على قدر علوه الرهيب تصاب بذهول أثناء الروءية لمعالم مسكن أسعف ساكنه واحتمى فيه من ويلات وبغتات الزمن من اجداب واغوال والفارق كبير بين الرائي للكهف بعينه وبين من يسمع أو يقرا عنه ففي الواقع كالفرق بين الحقيقة والخيال ونحن لا نهول من وضعية وشكل كهف لنصنع من ساكنه الأول بطلا متسلقاً بالزور أو نؤرخ له مجداً مزيفاً فما كان هذا مقصودنا ابدأ لكن الوقوف أمام حضرة الكهف المعلق لا تحس بشيء سوى الوقار والاحترام لعجيبة تاريخية والتي من المفروض على المجتمعات وأصحاب الشأن السياحي ان يهتموا إعلاميا وجغرافياً لتسهيل وتيسير كل شئ يؤدي إلي الوديان وتسهيل منافذ ومسارب لزيارة هذه الكهوف المعلقة للتعريف بهذه المعالم ليتشارك الجميع ويتقاسموا النظر والتفكر والتعجب صوب كهف فهو يستحق ان تمعن البصر فيه بكل عمق والي بصمات أول متسلق وكيف وصل ثم ترك ألغازا غريبة وشغلاً ومرقاة لا سبيل إلي حلحلتها فما نسمعها الآن عن كيفية الصعود الأول مجرد تخمينات فقط وليست إجابة قطعية لكهف مرتفع عن الأرض في بطن جبل وعر وغالبية الكهوف شرفاتها أو فوهاتها شبه منكفئة على أجواء الوادي فهذه المفاهيم المطروحة سواء كان شفويا أو ذهنيا أو في كتاب هو تقريب مسافة الفهم لاستيعاب أراء منقوصة بعض الشيء لكنها أفضل من لا شيء لان روءية الكهف المعلق يدهشك أيها المتفرج لأول مرة وتندهش ثانيا وثالث ورابع وكلما وقفت ووصلت إلي هناك فاجعل الكهف فقط هو منظورك وتأمل نواحيه وإبعاده وارتفاعاته ومنخفضا ته وجنباته وتأمل اثر الصعود والهبوط والخدمات والبكرة الخشبية المصنوعة المثبتة هوائيا عند لسان شرفة الكهف .


وسط هذه البيئة الجبلية بوديانها وبطونها وشعابها وكهوفها المعلقة وغير المعلقة وحقا فها ومغاراتها وشتاءها وصيفها وربيعها وخريفها والغابات بأنواعها ولد وعاش ( بدرالدين محمد فرج ) بزاوية العرقوب متفاعلاً مع حياة الخيام و النجوع ومع حرفة رعي الماعز والبقر تفاعل مع أصعب الأيام الممطورة شتاءاً وحرور الحر صيفاً وكئابة الأجواء الخريفية وحلاوة الألوان والأصوات الربيعية عاصر الكبار وتعلم منهم وآلف عيشتهم يعرف مشاغل الناس في البادية ومشاغل الناس في البلاد تخلى عن التشاغل بأمور الناس وأعرافهم قائلاً إنها مكمن الفتن ولا ينشغل بها إلا ضعاف العقول وأصحاب المنقصة الاجتماعية ومخربي الصفوف يبحثون عن سد وملء منقصتهم بأشياء مفضوحة بلا حياء .
امتهن ( بدرالدين محمد ) صنع وزخرفة ونقش العصي الجميلة والمحاريث والمغارف والقصاعي والمراود وخلايا النحل التقليدية وتفنن في صيد النحل أي التتبع والعثور على بيوتات نحل البراري يحب الخلاء ولا يعبث بمنبوتاته من الشجيرات والشجر والعشيبات واحترم دواب الحقول والبراري ولان بداية حياته في البرية هاملاً متأملا أعطى أنفاسه وكليته للطبيعة والبيئة فاعطتة الطبيعة اسرار كيفية التعامل والمعاملة فكانت إحدى تاملاتة التي لم تنفك ابدآ كانت باتجاه وصوب هذا السر العظيم الذي يصعب نيله على حد تعبيره ألا وهو ((الكهف المعلق )) ومن هنا تعلق حماس الصعود حينما تتوافر الإمكانيات من حبال قوية وبكرات صلبة ومعاونين مطيعين يتفهمون البيئة .
وجاء هذا اليوم وقد توافرت السيارة ومعدات الصعود راسماً بأفكاره الخطة الكاملة وشد الرحال وخاطر بنفسه وابنائة واخوتة ولم يتبادر إلي ذهنه التولي فكابد وعارك وأصابه هرق ونصب طي الصعود والهبوط بالسفوح والوديان والبطون واو عار القعور يحمل كل ما يلزم الرحلة قرب الكهف المعلق المراد الصعود إليه وتثبيت الحبال وبكراتها ناحية الكهف إلي ان شاءت المقادير بالتحديد في أول يوم من شهر الربيع عام 1985 ف كان أول صعود له وأبناءه واخوتة في كهف (( الدخرسي )) بزاوية العرقوب في وادي اسويدان من جهة الغرب وبعد تكرار وأحوال كان التسلق الأول بين خوف وإحباط حتى حافة الكهف وازدادت المخاوف وهنا المتسلق يرتبك ويعاني اشد معاناة ويحس بنفسه أثقل وزن في العالم وتعابير الخوف الكثير ترتسم على وجوه الرفاق المساعدين على الأرض والمتسلق يصارع ليتثبت ولينشل بوزنه وارتمى داخل الشرفة أو شارب الكهف فتنفس الجميع واستبشروا بهذا النصر وتفلت العقال الممنوع كأننا وضعنا أيدينا على وحش أسطوري عملاق في المصيدة .
قد يوجد المتسلق الظريف الحاذق لكن بدون شجاعة تتعطل الحواس واللياقة أو شجاع لكن تنقصه الخبرة في معرفة فنون التسلق . ولا انفي بهذه الكلمات وجود آخرين مثل ( بدرالدين محمد ) قد يكون متواجداً ولم نلتقي به بعد أو لم يصادفنا فهذه مشيئة تسير بقدرة قادر . لكن سمعنا عن جمعية بمدينة درنة ألمسماه جمعية الهيلع المشكورة على اهتماماتها ومغامراتها لمثل هذه الكهوف المعلقة لكن لماذا لم تصل إلي الكهوف المعلقة الوعرة فلا نعلم . ولا استرسل في كلامي هذا لان ((بدرالدين محمد )) استأثر بهذه المغامرة ألخطره فكل واحد له قدرات وتوفيق من رب العالمين فلا دخل لبشر فيها .
واصل ( بدرالدين محمد ) وأبناءه وإخوته الرحلات في وديان الجبل الأخضر لمعلقة الدخرسي ومعلقة العجوز بوادي اسويدان ومعلقة طرطقو بوادي طرطقو ومعلقة كاف البيضا بوادي العودة كل هذه الوديان المذكورة سلفا بزاوية العرقوب ومعلقة اقشيش بوادي المجهور شمال شرق مدينة شحات تمرس وأصبح الصعود فترة زمنية وليست معركة والرحلات نزهه فقط . حتى ظهرت رحلاته وصعوده للعلن في كل أنحاء الجبل الأخضر ومن هنا عرض عليه الأستاذ داود حلاق الانضمام لفريق كان يفتقر إلي متسلق يجابه أعلى الكهوف رهبة وخشية والمجموعة تتكون من عيسى إسماعيل علي والحاج علي إبراهيم علي وادم محمد أكريم وعبد النبي عبد القادر الشريف وعلى رأسهم الكاتب داود حلاق .


أجاب ((بدرالدين محمد )) ولم يردهم خائبين والحقيقة ان هذه المجموعة بذلت جهودا مادية خاصة من جيوبهم وجهودا عضلية والتزمت المجموعة نشاط البحث والتنقيب وكان قطب الفريق أو المجموعة ( بدرالدين محمد ) مهتم بهذا المشروع المميت وانشغلت معه البقية أيضا بهذا العمل ووجد الكاتب داود حلاق نفسه داخل كهف معلق وكهوف كثيرة الذي لا يحلم به ابدآ على الإطلاق فهو الذي وصف الكهوف المعلقة بالجهنمية التي تخشاها كواسر الطير في قصصه ذات ليلة ممطرة وشرع داود في نقب كل المطمورات والأدوات والأثاث التي تجهزت له واقترب من غرائب انجازات حماية جوية وصلها وسكنها إنسان الجبل للذود عن نفسه وأسرته أيام الجدب والغول المفترس لقد تعرف الأستاذ داود على معائش وممارسة الحياة وحياة الأسرات واعتياد العيش في تلك ألاماكن العالية بفضل القطب المتسلق (بدرالدين محمد ) وعيسى وادم وعلي وعبد النبي بعد توفيق المولا عزوجل إنها الخامة التي كانت مستحيلة ان تتواجد مبعثرة هكذا بكل يسر أمام الأستاذ داود حلاق وبعد ذلك وثق التنقيبات والاستكشافات والمعلومات القليلة عن الصعود الأول للكهف المعلق وأظهرها في كتاب اوشاز الإسلاف وكتاب الفكر الحرفي وكتاب مرقص الإنجيلي انه عمل يستحق الشكر وبسبب هذه المجموعة المتعاونة برز مسكن جوي أقام فيه الأجداد أيام الجدب وصارعوا وكابدوا لتامين الحياة فابتكروا مسالكاً وصنعوا حبالا للصعود ونحتوا من معدن الغابة قصاعاً وقداحاً وصنعوا أواني حفظ المياه الثمينة الغالية وأدوات كثيرة تخص الحراسة والصيد ومقتنيات تعليمية وتربوية .
سئل ( بدرالدين محمد ) من قبل احد أبناءه في الوقت الحاضر أطال الله في عمره وأمده بالصحة والعافية عن رحلة أخرى من رحلات التوجه إلي الكهوف وعراك التسلق فقال :- ان التسلق يحتاج إلي فترة شبابية من العمر ونشاط وزهو وحيوية وبال خالي من الهموم والبركة في الجيل الجديد . قلت في نفسي إذا تكرر مثل هذا المتسلق في أجيالنا هذه والأجيال القادمة بنفس المعدات لا تزيد ولا تنقص التي يتسلق بها ( بدرالدين محمد ) فهي من نوادر الزمن ونرفع أيدينا ونقول لك الحمد والشكر يارب ان دنيانا هذه بخير وبأمان لأنني اعرف شباب معرفة جيده قاموا برحلة للتسلق بمعدات أكثر تطورا وأكثر أمانا في إحدى الكهوف فعجزوا كل العجز وليحذر القراء وغير القراء إنني لا أتمنى الخسران لمتسلق ناشئ بل اغتبط لمثل هذه الشخصيات وادعوا لهم بالنجاح
نشرت في موقع السلفيوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق