الاثنين، 17 أغسطس 2009

لعبة الكشك




لعبة الكشك لها نعوت عدة . النعت الأول : الصفاق . النعت الثاني : الصابية والاسم الشائع والمتردد هو الكشك فكل هذه التسميات مفهومة عدا الكشك والكشك حسب اعتقادي هو تحريف لكلمة كش الموجودة في قاموس المنجد وهي كش _ كشا وكشيشا الزند : سمع له صوت خوار عند خروج ناره . كشيشا الجمل : هدر أول هديره والكشيش : صوت غليان الشراب .
والتسمية هنا لطبيعة الصوت وإيقاعاته الموسيقية فالجمل بهديره والنار بلهيبه المشتعل والسوائل بجليبها في الانية . كل صوت من هذه الأصوات لها زفير وقعقعة ومن هنا تقريباً استعار المجتمع هذا النعت لأصوات جماعة رافعة حناجرها تصدح بمقطع شعري ( الشتاوه ) مقرون بضرب الكفوف في صف واحد ومتراص وجنبا إلي جنب في تتابع دون انقطاع شبيه بصوت ولحن الزفير والهدير باستثناء قائد الصابية فوظيفته ان يحرك الجماعة المتراصة بالصفيق وقد يبدي بعض الحركات المحفزة لازدياد حرارة الكشك وقائد الصابية يتابع تحركات الحجالة ملازم لها تماما والكشك غير ملزم بحجالة ( راقصة ) وإذا تواجدت الحجالة فالوضع أفضل لتزداد سخونة المصفقين المصابين بالوجد وفقد الشعور فجل انتباههم صوب حركات وشخصية الحجالة الباذلة مجهودها بهزيز الخصر ووسط يترنح ومنسجم مع نظرات خواطر المصفقين فتسخوا الحجالة بكل ميول بلمسات هادئة وتملأ بكبود قدميها الخفاف ملاسة الأرض .
ان المهووسين بهذه اللعبة لا يتوانوا عن اجتياز المسافات المكلفة البعيدة وبكل مشقة للوصول والمشاركة أو حتى الاكتفاء بالنظر فلا باس والعنصر المهم من شتاي مثلا أو غناي ففي الغالب ترسل له الدعوات للحضور وأحب ان أنبه القراء ان اغلب عناصر المشاهير في لعبة الكشك اليوم لا يلبون الدعوات إلا بمقابل واقلها القليل سيجارة وطعام واغلبهم وليس جميعهم .
ولابد من تواجد عناصر للتكافوء وإتمام نجاح الكشك فهذه العناصر ابتداءًً من الشتاي( الشاعر ) وغناي العلم وقائد المصفقين الذي يتوسط الساحة وكذلك الحجالة المتخصصة فوجود هؤلاء العناصر يزين استراحة الكشك بفواصل وحلقات بعد جهود جهيده وعرق يتصبب وروائح اصنان الحماسة من شيب وشباب والاستراحة ان تجلس الحجالة بعد إلقاء الشتاي الشاعر بشتاوة معنية للحجالة لإرغامها على الاستراحة قليلا فوق قطعة قماشية صغيره افرشها احد المصفقين المتحمسين قبل ان تجلس الحجالة بقليل وجلسة الحجالة ليس باليسر بل تتمنع كثيراً وقد تمتنع عن الجلوس لكن هذا يعتمد على مراوغة الشعراء وحركات المصفقين وفي لحظات جلوس الحجالة يجلس احد المغنيين لإلقاء غناوة علم وليس بالضروري ان يجلس قد يغني واقفاً وقد ينضم أخر للغناء ثم بعد ذلك يعقبها شتاي بشتاوة وتستأنف الحجالة التحجيل وتسري السخونة من جديد في أبدان المصفقين وللكشك قوانينه فمن استراحة ومن انقسام مجموعة المصفقين إلي مجموعتين فيهب قائد المجموعة التي تخلت عنها الحجالة رجل مذبوح طلباً لعودة الحجالة إلي المصفقين ويتمدد المذبوح ومنديل مطروح على وجهه في الساحة وتشترط عودة الحياة إليه بعد ان تجرد الحجالة من حليها تماشيا وتنفيذا لأوامر كلمات الشتاي بشتاوة مثلا ( جملة ما عندك حطيه..ع الميت نين تحاييه ) لتسري الحياة في الرجل المذبوح وكما قلنا فان الكشك إذا توافر فيه عنصر الشتاي وعنصر المصفق الذي يحسن أداء خبط الكفوف وانسجامها مع بقية المصفقين فلا يتأثر إذا افتقر للعناصر الأخرى من غناي العلم والحجالة (الراقصة ) والعنصر الأهم هو الشتاي فبدونه لا يصير الكشك كشكاً ولكن في العادة وفي الغالب لا يجتمع جماعة المصفقين ألا بحضور الشتاي وفي المناسبات في الوقت الحاضر يكتفون به وبمغني العلم أما الحجالة ( الراقصة ) ففي استطاعتهم التخلي عنها ويمارسون لعبة الكشك ويطربون تمام الطرب . ولا ينقص المجتمع شعراء متخصصين في إلقاء شعر الشتاوي وأغاني العلم فمنهم أقطاب كثيرون ففي فنون شعر أغاني العلم / عبدالخالق _ وعبدالكافي _ والشريمة _ وبومذراب _ ولبزاري _ والميراد _ وحبلن . وفي فن شعر الشتاوي/ بوبكر عبدالغني الملقب أجدي البطوم _ وعبدالكافي _ والصادق عوض _ وبومبروكه _ وبوخليل _ ولزبر _ واحميده المسماري _ وهناك أجيال أخرى لا نستطيع حصرهم سواء في أغاني العلم أو في أشعار الشتاوي أما فن التصفيق أو خبط الكفوف لتتوهج وتحمر بواطن الأكف تتفلت بالدماء فهي تحتاج إلي لياقة وتكيف مع الآخرين ووضعية الأذرع والكفوف وارتماء الأيادي بكل خفة وطريقة الوقوف والتراص لأداء مهمة الكشك واستيعاب إلقاء كلمات الشتاي في أسرع وقت حتى لا يتشتت الإيقاع والنغم والإرباك وإتباع أوامر قائد المصفقين واحترام الروتين المعمول به في الوسط الفني في التراث الشعبي فمن يحترم التراث يحترم نفسه ومن أساء فهو مهان وهو لا يدري ويتكالب على عادات شعوب أخرى فإذا لم يتقن أو لم يتفهم عادات المجتمع الذي هو منه فكيف يقبله مجتمع أخر ان الفضول والاطلاع للعالم معقول يرغبه الجميع ولكن انظر بتدارس وبحكمه ونعمل بهذه الكلمات الجميلة من احد الحكماء العالميين . ( كن محلياً..تكن عالمياً ) . أما لعبة الكشك ففي الحقيقة كان لها روادها في قيادة ألصوابي وخبط الكف وفن الإلقاء والحضور الوجداني والناس منتظمة تتنصت وتتشرب وتتفرج بكامل أحاسيسها أما غير هؤلاء الرواد قد يشارك من لا يحسن أداء الكشك الأداء الجيد وبلياقة ويفسد طعمها وجمالها .
أما عن كشك النساء فهو يسير فيهن ومنهن فسبعون في المئة منهن تتقن التحجيل (الرقص) والغناء والصفيق وكشك المرأة لا تحتاج إلي الضرب بالكفوف القوية عكس الرجل المصفق فهو في حال ووضع إلزامي للخبط بكف قوي وصوت مرتفع أما المرأة بين خفض ورفع باستثناء الصرخات في ثنايا ألعابهن أو في معرض الكشك الملتهب وللمرأة حضور عميق بكل جوارحها واذكر في طفولتي في مناسبة بإحدى القرى المجاورة لزاوية العرقوب رأيت امرأة ترقص وتصفق وتولول بزغرودتها في آن واحد ولم تخرج عن إيقاع المصفقات الأخريات .
وجاذبية الكشك تكمن في الشتاوة الجميلة والجماعة المتمرسة والسريعة في القاف كلمات الشتاي وخفة الأيادي والكفوف والتداعي والتوحيد الجماعي والحجالة (الراقصة ) الظريفة التي تكسر بخصرها المهتز أشياء كثيرة وستاهة وهدوء وحضور المتفرجين الولعين بهذا المشهد فكلنا نشاهد ونستمتع برائعة من أروع مشاهد ومسليات الألعاب في تراثنا الجميل واذكر في ما مضى بداية الثمانينات مشهداً جميلاً لا أنساه ابداً للعبة الكشك وبدون راقصة وكانت جماعة من متقدمي السن قليلاً وجيلاً واحداً في إحدى المناسبات بزاوية العرقوب وفي خيمة بدويه صيفيه جميله والوقت أول الليل أوان الغروب وأتذكر هؤلاء المجموعة بالاسم وأولهم وهو قائد الكشك وفي منتصف ساحة المصفقين المرحوم رابح بوجميمة وكان يصفق بكل حرارة ويضرب بقبعته أرضا ومرة أخرى يمسك بطرف القبعة مرفرفاً بها في الهواء متواجداً منسجماً وباقي جماعة المصفقين في الصف المكون من المرحوم سعيد موسى عمران والمرحوم سليمان ادم حمد والمرحوم محمود ابومالك من بالحديد وعبدالرحيم الفرجاني وعبد الكريم حمد وفرج حمد ورف الله بوبكر والمرحوم جمعة بوجميمة وعلي عبدالله بوحميده والكشك في قمة السخونة والإيقاع والكفوف في اتحاد تام وأوضاعهم ليسوا بالجالسين ولا بالواقفين بل على وضع البروك متراصين كالجسد الواحد مغتبطين سعداء مرددين شتاوة أجادت بها قريحة المرحوم محمد بونجوى وكلمات الشتاوة (( قزون وصايدتا لوعه .. ما ينوض ألا ناصب نوعه – قزون وصايدتا لوعه ..ما ينوض ألا ناصب نوعه )) . وهذه الشتاوة أعقبت مباشرة غناوة علم كانت مفرداتها (( قليل من ايروف عليه .. قزون خاطري نوعه نصب )) . ألقاها محمد عبدالرازق بطلب إجباري من الحضور ولفتت هذه المجموعة المصفقة كل الحاضرين . وناسف اسفاً شديداً لعدم وجود مسجل مرئي في ذلك الوقت لتوثيق هذا التذكار وهذه اللقطة الإبداعية الثمينة للمجموعة المصفقة غالبهم مقبورين فلا تجوز علي أرواحهم ألا المحاسن ألطيبه والدعاء لهم بالرحمات من صاحب الرحمة . وفي فترة أوائل الثمانينات وألف وتسعمائة ايضاً شخصيات باتت من الماضي وحكم عليهم الدهر بالشيب وهذه الشخصيات كانت نشطة تلتهب صفوف الكشك والحجالة ( الراقصة ) تزداد شقاوة في وجودهم وهم : المرحوم محمد فرج بولموشة / سليمان الوراد / هيبة عبد الكريم / المرحوم بوبكر بوعقلين / والمرحوم بوعجيلة زقزوق وشخصية أخرى اختفت واعتقد انه يدعى محمد عبد اللطيف من منطقة رأس التراب والكشك اليوم تصفيق بحرارة مع ألقاء الشتاوة لا تدوم وايوقعوا ( أي فصل بسرعة ) لإلقاء شتاوة أخرى والحقيقة هو عيب قد طرأ جديداً على لعبة الكشك الذي كان يفرض خبط الكف وإلقاء الشتاوة ويمتد وقت وزمن ليتمكن الطرب من صدورهم ليتمللوا قليلاً وهنا يلقي الشاعر الشتاى شتاوة أخرى أو يتوقف المصفقين بعد حين لغناوة علم وايش والكشك لعبة يطرب لها البدوي ويطرب لها حتى من غير البدوي واعتمدها مغنيين المرسكاوي في تنظيم إيقاعات بعض أغانيهم بجانب الدفوف والمزامير وآلات موسيقى حديثة

هناك 3 تعليقات:

  1. وهل لعبة الكشك لها علاقة برقصة الحجالة التي قدمتها فرقة رضا؟

    ردحذف
  2. وهل لعبة الكشك لها علاقة برقصة الحجالة التي قدمتها فرقة رضا؟

    ردحذف